سورة الرعد - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر صفات السعداء وذكر ما ترتب عليها من الأحوال الشريفة العالية أتبعها بذكر حال الأشقياء، وذكر ما يترتب عليها من الأحوال المخزية المكروهة، وأتبع الوعد بالوعيد والثواب بالعقاب، ليكون البيان كاملاً فقال: {والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه} وقد بينا أن عهد الله ما ألزم عباده بواسطة الدلائل العقلية والسمعية لأنها أوكد من كل عهد وكل يمين إذ الأيمان إنما تفيد التوكيد بواسطة الدلائل الدالة على أنها توجب الوفاء بمقتضاها، والمراد من نقض هذه العهود أن لا ينظر المرء في الأدلة أصلاً، فحينئذ لا يمكنه العمل بموجبها أو بأن ينظر فيها ويعلم صحتها ثم يعاند فلا يعمل بعمله أو بأن ينظر في الشبهة، فيعتقد خلاف الحق والمراد من قوله: {مِن بَعْدِ ميثاقه} أي من بعد أن وثق الله تلك الأدلة وأحكمها، لأنه لا شيء أقوى مما دل الله على وجوبه في أن ينفع فعله ويضر تركه.
فإن قيل: إذا كان العهد لا يكون إلا مع الميثاق فما فائدة اشتراطه تعالى بقوله: {مِن بَعْدِ ميثاقه}.
قلنا: لا يمتنع أن يكون المراد بالعهد هو ما كلف الله العبد، والمراد بالميثاق الأدلة المؤكدة لأنه تعالى قد يؤكد إليك العهد بدلائل أخرى سواء كانت تلك المؤكدة دلائل عقلية أو سمعية.
ثم قال تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} وذلك في مقابلة قوله: {والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} [الرعد: 21] فجعل من صفات هؤلاء القطع بالضد من ذلك الوصل، والمراد به قطع كل ما أوجب الله وصله ويدخل فيه وصل الرسول بالموالاة والمعاونة ووصل المؤمنين، ووصل الأرحام، ووصل سائر من له حق، ثم قال: {وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض} وذلك الفساد هو الدعاء إلى غير دين الله وقد يكون بالظلم في النفوس والأموال وتخريب البلاد، ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الصفات قال: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللعنة} واللعنة من الله الإبعاد من خيري الدنيا والآخرة إلى ضدهما من عذاب ونقمة: {وَلَهُمْ سُوء الدار} لأن المراد جهنم، وليس فيها إلا ما يسوء الصائر إليها.


{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
اعلم أنه تعالى لما حكم على من نقض عهد الله في قبول التوحيد والنبوة بأنهم ملعونون في الدنيا ومعذبون في الآخرة فكأنه قيل: لو كانوا أعداء الله لما فتح الله عليهم أبواب النعم واللذات في الدنيا، فأجاب الله تعالى عنه بهذه الآية وهو أنه يبسط الرزق على البعض ويضيقه على البعض ولا تعلق له بالكفر والإيمان، فقد يوجد الكافر موسعاً عليه دون المؤمن، ويوجد المؤمن مضيقاً عليه دون الكافر، فالدنيا دار امتحان.
قال الواحدي: معنى القدر في اللغة قطع الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان.
وقال المفسرون: معنى (يقدر) هاهنا يضيق، ومثله قوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيق، ومعناه: أنه يعطيه بقدر كفايته لا يفضل عنه شيء.
وأما قوله: {وفرحوا بالحياة الدنيا} فهو راجع إلى من بسط الله له رزقه، وبين تعالى أن ذلك لا يوجب.


{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} اعلم أن الكفار قالوا: يا محمد إن كنت رسولاً فأتنا بآية ومعجزة قاهرة ظاهرة مثل معجزات موسى وعيسى عليهما السلام. فأجاب عن هذا السؤال بقوله: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} وبيان كيفية هذا الجواب من وجوه:
أحدها: كأنه تعالى يقول: إن الله أنزل عليه آيات ظاهرة ومعجزات قاهرة، ولكن الإضلال والهداية من الله، فأضلكم عن تلك الآيات القاهرة الباهرة، وهدى أقواماً آخرين إليها، حتى عرفوا بها صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة، وإذا كان كذلك فلا فائدة في تكثير الآيات والمعجزات.
وثانيها: أنه كلام يجري مجرى التعجب من قولهم وذلك لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي ظهرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من أن تصير مشتبهة على العاقل، فلما طلبوا بعدها آيات أخرى كان موضعاً للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم {إن الله يضل من يشاء} من كان على صفتكم من التصميم وشدة الشكيمة على الكفر فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن أنزلت كل آية {ويهدي} من كان على خلاف صفتكم.
وثالثها: أنهم لما طلبوا سائر الآيات والمعجزات فكأنه قيل لهم لا فائدة في ظهور الآيات والمعجزات، فإن الإضلال والهداية من الله فلو حصلت الآيات الكثيرة ولم تحصل الهداية فإنه لم يحصل الانتفاع بها ولو حصلت آية واحدة فقط وحصلت الهداية من الله فإنه يحصل الانتفاع بها فلا تشتغلوا بطلب الآيات ولكن تضرعوا إلى الله في طلب الهدايات.
ورابعها: قال أبو علي الجبائي: المعنى إن الله يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره فلستم ممن يجيبه الله تعالى إلى ما يسأل لاستحقاقكم العذاب والإضلال عن الثواب: {ويهدي إليه من أناب} أي يهدي إلى جنته من تاب وآمن قال وهذا يبين أن الهدى هو الثواب من حيث أنه عقبه بقوله: {من أناب} أي تاب والهدى الذي يفعله بالمؤمن هو الثواب، لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه تعالى إنما يضل عن الثواب بالعقاب، لا عن الدين بالكفر على ما ذهب إليه من خالفنا. هذا تمام كلام أبي علي وقوله: (أناب) أي أقبل إلى الحق وحقيقته دخل في نوبة الخير.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9